التشكيك في المسلمات/ العلامة يوسف القرضاوي

كتب العلامة يوسف القرضاوي في مقدمة كتابه "موقف الإسلام العَقَدي من كفر اليهود والنصارى":
إن من أخطر القضايا التي نبهتُ عليها في أكثر من كتاب لي: محاولة خصوم الفكر الإسلامي التشكيك في المسلَّمات، وبذل الجهود في تحويل اليقينيات إلى ظنيات، والقطعيات إلى محتملات، قابلة للأخذ والرد، والجذب والشد، والجزر والمد، والقيل والقال، وقد وجدنا في عصرنا من يشكك في تحريم الخمر والربا، أو في إباحة الطلاق وتعدد الزوجات، ووجدنا من يشكك في حجية السنة النبوية، ووجدنا من يدعو إلى طرح علوم القرآن كلها، لنبدأ قراءة القرآن من جديد قراءة معاصرة، غير مقيدة بقيد، ولا ملتزمة بأي علم سابق، ولا بأية قواعد أو ضوابط مما قرره علماء الأمة على توالي القرون، وقد صدق الشاعر القائل:
والليالي من الزمان حبالى * مثقلات يلدن كل عجيب!
ومما ولدته الليالي الحبالى بالعجائب ما ذهب إليه بعض الذين أقحموا أنفسهم في الثقافة الإسلامية دون أن يتأهلوا لها بما ينبغي: مِن زعمهم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا كفارا، وهذه دعوى باطلة من غير شك، فإن كفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرة من علم بالإسلام، وهو مما أجمعت عليه الأمة باختلاف طوائفها ومذاهبها طوال العصور، لم يخالف في ذلك سني ولا شيعي، ولا معتزلي ولا خارجي، وهذا من المسلّمات البينة المتفق عليها نظرا وعملا، ومن المعلوم بالدين بالضرورة، أي مما يتفق على معرفته الخاص والعام، ولا يحتاج إلى إقامة دليل جزئي للبرهنة على صحته، وسر ذلك أن كفر اليهود والنصارى لا تدل عليه آية أو آيتان، أو عشرة وعشرون، بل تدل عليه عشرات الآيات من كتاب الله، وعشرات الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يشهد بذلك كل من قرأ القرآن، أو درس الحديث، وما كنت أظن أن أجد مسلما يعارض صريح كتاب الله تعالى وقواطع النصوص برأيه وهواه..!
وقد عشنا حتى رأينا البدهيات العقدية يغشاها الضباب والاضطراب، حتى تختلط وتلتبس على بعض العقول، فإن كفر اليهود والنصارى من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، ولكن غدونا في زمن عملت فيه الفتن الفكرية عملها، ومن هنا عنيت ببيان هذا الأمر تعليما للجاهل، وتنبيها للغافل، وإفحاما للمعاند المكابر، وإقامة للحجة عليه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة..."

21 May 2022