الرسالة التربوية التشمير في العشر والتماس ليلة القدر

الرسالة التربوية : التشمير في العشر الأواخر والتماس ليلة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في العمر فسحة حتى بلغنا رمضان. والحمد لله الذي وفق وأعان على صيام وقيام ما مضى منه،  لنجد أنفسنا بفضله وكرمه ونحن على مشارف العشر الأواخر من رمضان  لنتزود من فيض رضوان الله تعالى ونتفيأ ظلال الجنان بعد العتق من النيران إنها نفحات الله ألا فتعرضوا لها بالجد والاجتهاد مشمرين فيما تبقى من ليال وأيام  تتحرى فيها ليلة القدر . هذه الليلة التي هي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه   .
إنها الليلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبها في كل الشهر فاعتكف أوله ثم اعتكف أوسطه حتى أخبر أنها أمامه في العشر الأواخر فرجع إلى معتكفه وأمر من كان معه أن يرجع إلى معتكفه ليتحرى ليلة القدر فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ . فَاعْتَكَفَ عَاماً , حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ : مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا . فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ . وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ . فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ . وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ , فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ )) صحيح مسلم)) .
هذه الليلة التي نوه الله تبارك وتعالى بها في محكم كتابه فقال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) كما فضلها بنزول القرآن فيها (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

لقد أقبلت العشر والقلوب مثخنة بجراح المعاصي مكبلة بالشهوات وعليها أسوار من الشبهات تحيط بها فلا يبرئ جراحها إلا توبة صادقة ودعوة مستجابة يلهج صاحبها بالدعاء المبارك (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) الترمذي ، ولا يفكها إلا عبرة لا تنقطع  ودموع تخضل اللحى وتبل الحمائل في وقت هجود الكسالى والمخلفين عن السباق الراكنين إلى الراحة حيث وطئت لهم فرش الدنيا فخلدوا للراحة وطار المشمرون في جو الأرواح النقية التي تتطلع إلى فضل باريها ليبدلها من فرش الدنيا نعيما لا ينقطع وسرورا لا يزول (ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ).

  إنها ليال معدودات قد أعان الله المؤمن على اغتنام فرصتها بما هيأ له من رحمات تتنزل بها الملائكة في هذا الشهر توقد جذوة الإيمان في قلب المؤمن دون عائق جنود الشر، من نفس روضها القيام والصيام، وشياطين صفدت، ونيران أغلقت أبوابها؛ فخلص الخير لأهله وخسأ الباطل وجنوده فلم يعد شيئا.
إنها فرصة المؤمن يتزود فيها لباقي السنة من الإيمان ليقوى على مجابهة الأعداء المحاصرين له من الداخل والخارج فسابقوا وتنافسوا (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) فربما تفتتحون بقوي عزمكم وخالص صدقكم مع ربكم تجارة رابحة سلعتها نافقة بدعوة رمضانية في جوف الليل وربما انفتحت القلوب  الموصدة نحو فضاء الإيمان الفسيح بسبب دمعة على فارط التقصير وربما جعلتم بينكم وبين النار حجابا مستورا بسبب صدقة خفية يتقبلها الحق بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل .
إن أبواب الباري مفتوحة لمن أراد ولوجها وإنكم فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وإن ما عند الله لا يغيض فعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار . وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده . وقال وكان عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع ) .
والله جل وعلا يحب سائليه ويجيب داعيه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) متفق عليه .
لتكن هممنا كبيرة فنطلب من ربنا خيري الدنيا والآخرة (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ(200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب) فلنسال الله أن يوحد القلوب ويزيل الكروب ويقوي الآصرة بين العاملين للإسلام وأن يلهمنا الرشد ويحفظنا ويحفظ لنا وأن يجعلنا من خدام دينه المتمسكين بدعوته ولنقنت بالدعاء لإخواننا من المستضعفين في سائر بلاد الإسلام.

أمانة التربية بجمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم
18 رمضان 1443 هـ

20 April 2022