الرسالة التربوية بمناسبة شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرسالة التربوية للجمعية بعنوان 

يا باغي الخير أقبل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين:

أما بعد فها رمضان قد أظلتكم ظلاله، ووسعتكم بفضل الله خصاله؛ تنتعش فيه القلوب، وتزكو النفوس، وينضبط السلوك، ويتسابق إلى الخيرات؛ فتنفق سوق الجنة وتروج سِلَعها لما يُفتَح من أبواب الخير ويُوصَد من أبواب الشر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلّقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصفّدت الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة« الترمذي وحسنه الألباني

لقد جاءكم رمضان نفحة من نفحات الله ونعمة من نعمه تضّاعف فيه الحسنات وتسّاقط السيئات ففي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:«من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه   «وفيهما عنه صلى عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إن رمضان شهر افترض الله صيامه و إني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه إيمانا و احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) صحيح ابن خزيمة  

  إنها نفحات الله فتعرضوا لها؛ اهتبلوا الفرص، واغتنموا السوانح {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لعلكم تفلحون} {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} {فَفِرُّوا إلى الله} مُرددّين {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} فإنه قال في الحديث القدسي - وقوله الحق -: « إذا تقرب العبد إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة« رواه البخاري.

وإياكم وعزائم الخيال المنحلّة قبل النزال فتلك لا تعدو أن تكون سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. أحلام وردية بالاجتهاد في هذا الشهر المبارك، ومضاعفة الجهد فيه قبل مقدمه فإذا هجم انحلت العزيمة وخارت الهمة {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}.

لقد جاء رمضان – وهو فرصة للمراجعة والتحيين – فلنتحسس فيه تلك الذنوب التي تقعدنا عن الطاعة وتنزع البركة من أعمالنا لنتوب منها مهما بدت دقيقة عند البعض؛ فـــ «إن المؤمن – كما في البخاري - يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا« ولنستكثر فيه من خالص العمل وخبيئة بلا حدود إلا حدود هممنا؛ فعلى قدر نفاسة الهمة تشرئب الأعناق، وتبلى الأجسام وتنتفض الأبدان وبقدر حقارتها تثَّاقل إلى الأرض، " وَإِذا كانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا ... تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ".

أيها الإخوة لقد جاء رمضان والأمة مثخنة بالجراح، والعدو قد كشف عداءه الصراح؛ فأناّت الأرامل، ونشيج الثكالى، وبكاء الأيتام وزفرات المسجونين في سجون الظلمة ..  أمور كلها مشعرة بالتحدي وموجبة للإعداد، وأول ذلك الإعداد الإيماني الذي يعتبر رمضان فرصته المثلى فلنبادر إليه مركزين على الأمثلة التالية:

1. تطهير صيامنا من اللغو والرفث فضلا عن الجهل والزور فـــــفي الصحيح «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» وفيه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم». 

2. مضاعفة الورد اليومي من القرآن الكريم؛ إذ به يتجدد الإيمان، وتحيا القلوب، وينجلي صدؤها ففي صحيح مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - يقول: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» وفيه من حديث عقبة بن عامر الجهني: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ» وفي حديث عَبْدِ الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -:«اقرؤا القرآن، فإنكم تؤجرون بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ.. ».

3. الحرص على قيام الليل  إيمانا واحتسابا على أكمل وجه وليكن ذلك في جماعة ما أمكن ففي السنن الأربع «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».

4. المحافظة على صلاة الجماعة فإنها مطهرة من الذنوب والخطايا كما في مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً».

5. تخليل أيام الشهر ولياليه بتجديد التوبة وترسيخ الأوبة، والتحلل من المظالم المادية والمعنوية فقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} وفي صحيح مسلم يقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ». فلنقتد به مُتحرّين وعد الله الصادق في قوله:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى}.

6. مصاحبة الأخيار والمتبتّلين ومقاطعة الكسالى والغافلين فقد قال عز من قائل:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وقال:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصادقين}.

7. الاستكثار من الدعاء للنفس والإخوان، وتخصيص الجراح النازفة للأمة في مختلف البلدان؛ فـإنه «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ» كما في الحديث الصحيح {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ}.

8. زيادة البذل والإنفاق فهي إحدى وظائف الشهر الأصيلة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيعارضه القرآن فلرسول الله  صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. 

9. دراسة فقه الصيام من كتاب معتمد، ولا بأس أن يكون "زاد المعاد" لابن القيم، أو "فقه السنة" للسيد سابق، أو غيرهما.

10. تعاهد النصوص والآثار الواردة في فضل الصيام من خلال كتب الفضائل المعتبرة كــ"رياض الصالحين" للنووي، و"الترغيب والترهيب" للمنذري، و"لطائف المعارف" لابن رجب فإنها موقدة لجذوة الإيمان في القلوب، مورقة لشجرته في النفوس. 

 

أمانة التربية بجمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم

17 April 2022