الاعتكاف حكمته وأحكامه/ الشيخ محمد الأمين مزيد

بسم الله  الرحمن الرحيم 

الاعتكاف :حكمته وأحكامه

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة  والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فهذه سطور حول الاعتكاف حكمته وأحكامه

تعريف الاعتكاف

قال القرافي في الذخيرة وأصله الاحتباس والعكف الحبس ومنه قوله تعالى (والهدي معكوفا) (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) (وأنتم عاكفون في المساجد) وعكف يعكف بضم الكاف وكسرها وهو في الشرع : الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص 

وعرفه ابن الحاجب في جامع الأمهات  بقوله : " هو لزوم المسلم المميِّز المسجدَ للعبادة صائما كافا عن الجماع ومقدماته يوما فما فوقه بالنية "

مشروعية الاعتكاف :

لقد دل على مشروعية الاعتكاف الكتاب والسنة

قال الله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشركْ بي شيئا وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والركَّع السجود) وقال الله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)وقال الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم

: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده رواه البخاري ومسلم

حكم الاعتكاف :

الاعتكاف سنة قال ابن المنذر : " أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا فيجب عليه . "

قال ابن القيم في زاد المعاد

" كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، وتركه مرة، فقضاه فى شوال.واعتكف مرة فى العشر الأول، ثم الأوسط، ثم العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها فى العشر الأخيرة ، فداوم على اعتكافها حتى لحق بربه عز وجل."

قال ابن بطال : " في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تأكده  لكن قال مالك لم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن ولذلك قال خليل في التوضيح : " الظاهر أنه مستحب إذ لو كان سنة لم يواظب السلف على تركه "

حكمة مشروعية الاعتكاف

قال ابن القيم في زاد المعاد " وشرع لهم الاعتكاف الذى مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بَدلَها، ويصير الهمُّ كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر فى تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فيُعِده بذلك لأنسه به يوم الوحشة فى القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم."  و قال السرخسي الحنفي في المبسوط : " وفي الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى بارئها والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت الله تعالى قال عطاء مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة إلى عظيم فيجلس على بابه، ويقول: لا أبرح حتى تقضي حاجتي والمعتكف يجلس في بيت الله تعالى، ويقول: لا أبرح حتى يغفر لي فهو أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص  . "

من أحكام الاعتكاف :

1. المسجد شرط للاعتكاف قال الله تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) وعلى ذلك اتفق العلماء إلا محمد بن عمر بن لبابة فأجاز الاعتكاف في غير المسجد . وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المُعَدُّ للصلاة فيه . والاعتكاف جائزٌ في كل المساجد ، وخصه حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه بالمساجد الثلاثة ، وخصه عطاء بمسجد مكة والمدينة . وخصه ابن المسيب بمسجد المدينة .

2. لا يخرج المعتكف من المسجد إلا لحاجة الإنسان ولما لا بُدَّ منه من شراء معاشه وللمرض والحيض بالنسبة للمرأة  وإذا خرج لشيء من ذلك فهو في حكم الاعتكاف حتى يرجع . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا .

3. أقل الاعتكاف يوم وليلة عند المالكية خلافا للشافعية والأحناف .وقد روى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي رضي الله عنه أنه قال : " إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف ."

4. يستحب أن يدخل قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي يبدأ فيه فإن فعل ذلك أجزأه اتفاقا . وقال أحمد وإسحاق بن إبراهيم إذا أراد الرجل أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه ودليلهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه . رواه البخاري .

5. من شروط الاعتكاف عند جمهور السلف الصوم فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه أنهم اعتكفوا بغير صوم . وقال الشافعي : الصوم ليس بشرط .

6. من آداب الاعتكاف اشتغال المعتكف  بالذكر والتلاوة والصلاة والعبادة والإعراض عما سوى ذلك . قال ابن قدامة في المغني : "  يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة، ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام؛ لأن من كثر كلامه كثر سقطه.وفي الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . ويجتنب الجدال والمراء، والسباب والفحش . "بل إن المعتكف عند الإمام عبد الرحمن بن القاسم عليه الاشتغال بالعبادة على قدر الاستطاعة ليلا ونهارا من الصلاة والذكر والتلاوة خاصة . " فلا ينشغل بغير ذلك من الأعمال الصالحة أحرى غيرها أما الإمام ابن وهب فيرى أن للمعتكف أن يشتغل بجميع أعمال الآخرة فيصلي على الجنائز ويدرس العلم ويعمل مختلف الأعمال الصالحة ويحتجون لابن القاسم بأن الهدف من الاعتكاف ليس كثرة الثواب بل المقصود صفاء القلب وهو يحصل بالذكر والتلاوة والصلاة .

7. يجوز الاعتكاف للمرأة وفي البخاري باب اعتكاف النساء ويكون اعتكافها في المسجد وتستتر 

8. من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ، أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى وجب عليه الوفاء بنذره   أما من نذر الاعتكاف في مسجد من غير هذه المساجد الثلاثة فيمكن أن يعتكف في أي مسجد شاء . والدليل على ذلك حديث أبى هريرة  رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدى هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى ." رواه البخاري ومسلم

 

9. لا يجوز الاشتراط في الاعتكاف عند الإمام مالك رحمه الله تعالى قال في الموطإ : " لم أسمع أحدا من أهل العلم يذكر فى الاعتكاف شرطا ،وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال ما كان من ذلك فريضة أو نافلة فمن دخل فى شىء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يُحدث فى ذلك غيرَ ما مضى عليه المسلمون ،لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمون سنة الاعتكاف ." وأجاز الحنابلة الاشتراط في الاعتكاف قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله فقال إذا اشترط فنعم قيل له : وتجيز الشرط في الاعتكاف قال : نعم .

10. يجوز للمعتكف ترجيل الشعر لحديث عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسَه فأرجله . متفق عليه .قال الخطابي في معالم السنن : " وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظفار وتنظيف البدن ، من الشعث والدرن ."

11. الاعتكاف ليس مثل الإحرام فيجوز للمعتكف أن يَنكح ويُنكح .

12. يبطل الاعتكاف بالمباشرة قال الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون  ) قال ابن عبد البر " أجمعوا على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل . " كما يبطل بخروج المعتكف لغير ما رُخِّص الخروج إليه ، كما يبطل بالوقوع في كبيرة كالقذف . "

13. أفضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لالتماس ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري .

14. قال مالك في الموطإ إنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها .

سبحانك  اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

16 April 2022